الدكتور محمد العوضي يكتب "إسرائيلية تقطعها... وكويتية تتحدّاها!"

المشهد الأول:

منتصف أبريل 2008، الطالب في نهاية المرحلة الثانوية أحمد السوافيري يسير في الطريق إلى مدرسته بحي الزيتون في قطاع غزة.

طائرة استطلاع حربية إسرائيلية تطلق صاروخاً باتجاه موقع الفتى البريء.

يستيقظ الجريح في المستشفى من غيبوبته بجسد وقد بُترت منه الساقان من فوق الركبة وبُترت منه الذراع اليسرى من فوق الكوع وبُترت منه أصابع في يده اليمنى.

فيتحدى الطالب أحمد فقدان أطرافه، ومن على كرسيه المتحرك يكمل تعليمه الثانوي والجامعي ويتخرج بامتياز، وليتوظف مدرساً يلقن الأجيال قيم الصبر والمثابرة وقد تزوج وأصبح أبا لطفلين، ويستكمل حالياً وبخطى واثقة دراساته العليا.

المشهد الثاني:

نهاية شهر ديسمبر 2015 في مدينة اسطنبول التركية، ملتقى (شموس مشرقة) الدولي للمعاقين، تنظمه جمعية لبنانية هي الأمل للرعاية والتنمية الاجتماعية، يحضره ممثلون عن حكومات ومنظمات ومؤسسات وأفراد متخصصون في شؤون الإعاقة، قدموا من الخليج والمشرق والمغرب العربي وبلدان آسيا وأوروبا.

وجلسة مثيرة بعنوان (منكم نستمد الإرادة) اعتلت فيها منصة المسرح شخصيات ابتليت بالإعاقة فتحدتها بقوة العزيمة والإرادة حتى أضحت أيقونات لتميز وإبداع يعجز عنه حتى المتفوقون من الأصحاء.

د. عمار بوقس السعودي، أ. أحمد الغول اللبناني، وعبر شاشة الأقمار الصناعية يطل على المشهد من جديد الفلسطيني أحمد السوافيري وقد حال حصار غزة وإغلاق معبرها (رفح) من انضمامه بجسده إلى أقرانه على المنصة.

مدير الجلسة أشرف المرزوق إعلامي قادم من البحرين، يتألق في محاورة ضيوفه والتأثير في الحضور، يسدد سؤالاً مباشراً في مرمى السوافيري عن أحلامه وأمنياته باستكمال علاجه وتركيب أطراف صناعية تيسر حياته، فيهز بسؤاله بواعث الصمود والشموخ لدى الشاب الغزاوي، ولتهتز مع إجابات وكلمات الشامخ على كرسيه المتحرك مشاعر لم تكن في حسبان المنظمين ولا الحضور، كيف لا وقد صدح بها رائعة مدوية (نعم نجحت إسرائيل ببتر 97 في المئة من أطرافي ولكنها لم ولن تبتر أبداً طموحاتي وعزيمتي)!!

المشهد الثالث:

سلمى الفضلي ... كويتية تجلس في المقاعد الخلفية ضمن حشد من النساء والرجال اكتظت بهم مقاعد جلسات الملتقى، وقد انتابتهم حالة من التعاطف والتأثر الإنساني وهم يستمعون إلى أب شاب معلم إنسان مقعد يتحدث بفطرية عن مزايا نعمة كبيرة لا يفطن ولا يحس بعظمتها إلا من فقدها.

وفجأة ومن دون مقدمات، يهرول أحد المنظمين صاعداً منصة المسرح وليهمس في أذن مدير الجلسة بكلمات لم تطل فترة غموضها ...

نعم إنها الكويتية بنت الفضلي تعلن رغبتها تحمل كامل تكاليف علاج السوافيري وتركيب أطراف صناعية له بديلة لما فقد.

تضج القاعة بالتكبير وقد اغرورقت أعين الغالبية بالدموع، ولتتهافت عبارات الثناء سخية للكويت ونخوة أهلها وبكل لغات العالم.

ولليوم... لاتزال ترن في أذني كلمات مدير الجلسة اختتم بها ذاك الخليط الفريد من المشاهد والعبر حين قال للسوافيري مخاطباً: (ستبقى تتذكر على الدوام أن طائرة إسرائيلية غيرت حياتك يوم تسببت بقطع أطرافك ... وستظل تتذكر أيضاً على الدوام أن أختاً لك كويتية قد غيرت حياتك يوماً حين تحدت جريمة الاحتلال بمبادرتها الخيرية الأخوية الإنسانية).

د. محمد العوضي